info@daheshism.com
حبه للنظافة وكرهه للوساخة والفقر:

 

                                رحلةٌ في قاربٍ نهريٍّ

في تمامِ الساعةِ السابعةِ والربع من صباحِ 4-8-1969، وبصحبةِ الدكتور خبصا، استقلّينا الأوتوبيس مع عشراتِ السيّاحِ قاصدينَ النهرَ، يرافقُنا الدليل. وقدْ ركِبْنَا القاربَ، وكانتْ امرأةٌ بانكوكيّة تقودُه. وقد استمرّينا نُغِذُّ السير فيه ونحنُ نشاهدُ البيوتَ الفقيرةَ على ضفّتيه.

كما كنّا نشاهدُ العشراتِ من النساءِ والرجالِ والشبّان والشابّات كلّ منهُمْ مستغرقٌ في عملهِ. وقد كانَ أكثرهُم عاريَ الصدرِ، والأطفالُ عُراة تماماً لشدّة الحرّ القاتل.

كانت سيماء الفقر ظاهرة على الجميع ظهوراً لا شُبْهةَ فيه، والأقذار تملأ مياهَ النهرِ، فإذا هي متّسخةٌ تشمئزُّ النفسُ منها. كمَا أنّ رائحةً كريهةً كانتْ تتنسّمُها أنوفنا فتظهر علاماتُ الانقباضِ والنفورِ على وجوهنا. وهكذا بقي القاربُ يتهادى طوالَ ساعةٍ ونيّف، حتى بلغنَا، أخيراً، مكاناً تُباعُ فيه الأشياء التذكاريّة للسيّاح.

عند ذا وقف القاربُ، وإذا باعة الموز وجوز الهند الأخضر والأناناس وغيرها من فواكه مدينةِ بانكوك يعرضون علينَا ما يحملونه، والأوساخُ تغمرُهُم من قمّةِ رؤوسِهِم حتَّى أخمص أقدامهم. وبعدَ أن ابتعتُ بعضَ الأشياء التذكاريَّة، استقلّينَا الزورقَ، فسارَ بنَا إلى معبدٍ ضخمٍ، بديعِ الهندسة، غريبِ النقوش، أخذتُ له رسمين تذكاريّين. كما أنَّ الدكتور خبصا أخذ له فلماً سينمائيّاً ليبقى تذكاراً لرحلتنَا إلى بانكوك.

وفي طريقِ عودتِنَا، شاهدْنَا بعضَ النُسوة وقد انهمكن بغسلِ صحونِ الطعامِ وتنظيفها، ولكن بماذا؟! صدّقوني: بماءِ النهرِ المليءِ بملايين الجراثيمِ الرهيبة! أَيُصَدَّق هذا؟! نعم، إنها حقيقةٌ لا مراءَ فيها. لقد شاهدتُها مشاهدةً عيانيّة مثلما شاهدها كلُّ من كانَ معي بالقارب. فيا للغرابةِ!

وفي تمامِ الساعةِ الحاديةَ عشرةَ، غادرنَا القاربَ ونحنُ مأخوذان بما شاهدناه وما سمعنَاه!