الكبير يلتهم الصغير
كانت رحلتي في أعماق البحر من أعجب الرحلات وأوقعها في نفسي .
فقد شاهدت في هذه المحيطات أن قانون الأرض يسري في أعماق الأوقيانوسات أيضاً . فالقويّ يأكل الضعيف ، والكبير يلتهم الصغير . فعرفت أن العدالة لا يمكنها أن تحيا في هذا الكوكب الدوّار سواء أكان ذلك في عالم الحيوان الناطق أم الصامت .
كنت أشاهد من مكاني أغرب أنواع الحيوانات البحريّة المختلفة الأنواع والأجناس بمختلف أحجامها . وأرى لزاماً عليّ أن أقول بأن السمكة التي أقطن في جوفها نجت مرّات عديدة من أخطار كانت محدقة بها . فقد حاولت عدّة حيوانات بحريّة من أسماك وسراطين وغيرها من التهامها . ولكن براعتها في أساليب الروغان ومعرفتها بالأخطار التي كانت تترصدها أنقذتها من هذه المهالك .
ومثلما يظهر كانت ذات باع لا يستهان به من الخبرة بأسرار الدفاع والهجوم . وإلاّ لما كتبت لها السلامة .
وكانت سفرتنا متواصلة بانتظام تام . فمالكتي البارعة اتجهت في خط مستقيم لا تميل يمنة أو يسرة . ودأبت على سفرتها طوال أربعة أسابيع طويلة تخللتها أخطار جمّة . وكانت تقتات بصغار السمك الذي كانت أسرابه الضخمة تملأ البحر الذي لا نهاية له . ولكن ما كدنا نجتاز اليوم الثاني من الأسبوع الخامس حتى انقطعت أسراب السمك الصغير وما عدنا نشاهد سوى الأسماك العظيمة الأحجام .
ومرّ يومان لم تذق مالكتي فيهما طعاماً لاستحالة العثور عليه . وكانت لا تجد لديها الجرأة التي تمكنها من مهاجمة الأسماك التي تتفوّق عليها بالحجم . ولما كان الجوع كافراً صممت على تجربة حظّها بمهاجمة سمكة تكبرها بمقدارين .
وفي اللحظة التي حاولت الاصطدام معها في عراك مخيف دهشنا من دويّ رهيب تلاه جسم بالغ في تكوينه المخيف . واندفع بشق المياه شقاً . ثم فغر شدقه الجهنمي وجرف أسراب الأسماك تعد جماعاتها بالآلاف وكانت مالكتي من بينها . ثم أطبق الفكّان فسمع لهما صرير هائل . فعرفت أنني أصبحت الآن في جوف الحوت .