info@daheshism.com
جزاء الظلم والحكام الظالمون والعدالة الروحية:

 

                              العُمْر سَرَاب

                 إلى رُوح والدَتي في ذكراهَا السَّابعَة

                             (1949-1956)

                                                          الدكتور دَاهِش

 

أي أُمَّـاه !

أنتِ أصبحتِ تنعمين الآن ،

في مدينة السلام الهاجعة بطمأنينةٍ لا نهائيّة ،

هناك حيث ترتعين في غياضها الخضر ،

وارباضها المزدهرة بورودِ الخُلد الفوَّاحةِ العبير .

أمَّا (عالمي) أنا فإنهُ يضجُّ بالصخب ،

ويعمرُ بالاضطراب ،

ويموج بالرزايا الزلزلة .

تمرُّ بنا الأيام ، وتتلوها الشهور ،

وتسيرُ في إِثرها الأعوام ،

وخيول رغباتنا الجامحة تُسابق الزمن ،

وتطير على أَجنحة الشوق الملحّ ،

لقنص لذَّةٍ حقيرةٍ عابرة يعقبها نَدَمٌ مرير ،

وجزاءٌ صارم تفرضهُ عينُ العدالة الساهرة .

ثمّ ... ثمّ نعود لاجتراح المعاصي ذاتها ،

ونغرق في خضمّها حتى النواصي ،

غيرَ معتبرين بالقصاص الدنيويّ الأصغر .

وفجأةً ، وفجأةً ينقضُّ بازي الموت ،

ويقتصّ أرواحنَا ،

فإذا بنا بغتةً أمام العدالة الإلهيَّة وجهاً إلى وجه .

ويا لها من ساعةٍ هائلةٍ رهيبة حيثُ لا بدَّ أَنْ نُحاسبَ حساباً عسيراً ،

ولكنَّهُ عادلٌ العدالةَ كلَّها ،

وإذْ ذاك يبتدئ قصاصنا الروحيُّ الأكبر .

                                          ***

أُمَّـاه !

ما أُحيلى عالمكِ الجميل الخلاَّب .

وما أتعسَ (عالمي) عالَم السَراب ،

عالَم الوحول ، عالَم التراب !

ويومَ تدقُّ الساعة التي لا بدَّ منها ، ولا محيصَ عنها ،

ويومَ يهبطُ ملاكُ الربّ ليبلّغني أَنَّ ساعتي الأَخيرة قد دنت ،

ويومَ أَخلعُ رداءَ جسدي الماديّ القذِر عنّي مخلفاً إيّاهُ غيرَ مأسوفٍ عليه .

لحظتذاك أَبسط جناحَيَّ اللذينِ الحَّ بهما الشوق إلى لقياك ،

وأوغلُ في أوقيانوسات الفضاء اللانهائي ،

حتى أبلغ إلى مدينة الدعة والطمأنينة حيث تقيمين ،

مخلّفاً ورائي الأحزانَ المُترعة بالبؤس ،

والأسى المشبَع بالأشجان ،

لأحيا حياةً جديدة مُفعمةً بما لا يستطيع قلمٌ بشريّ

أن يصف سعادتها السماويّة الخالدة .

                                 ***

والآن أودّعُكِ وماجدا الضحيّة الخالدة الباقية ذكراها حيَّةً في قلبي ،

والقاطنة في شغاف روحي ،

حتى يردّني الخالقُ إليهِ .

وعند ذاك أحيا معَك حتى انقضاء الدهور .

                                                  دَاهِش

                               بعد ظهر الجمعة في 23 تشرين الثاني 1956

 

      

                               يا أُمُّ داهِش اسْمَعي !

                          في الذكرى السَّابعَة لأُمّ دَاهِش

                                (1949- 1956)