info@daheshism.com
الصحة, الأمراض, الأطباء

 

 

                   الأَيَّام الأَخيْرَة من حَيَاة الدّكتوُر خبْصَا

في 19 تشرين الأَوّل وصلتُ أَنا والدكتور خبصا إلى بيروت ، بعدما مكثنا في رحلتنا حول العالم 79 يوماً . وقد انتاب الدكتور خبصا المرض في الشهر الأخير من رحلتنا . وفي 23 تشرين الأوّل أُدخِل الدكتور خبصا إلى مستشفى أوتل دييه (HOTEL DIEU) وها هي تفاصيل مراحل مرضه مُدوّنة يوماً بعد يوم .

 

                         21 تشرين الأوّل 1969

زار اليوم عددٌ كبير من الإِخوة والأَخوات الدكتور خبصا في منزله ، وكانت حالته سيّئة .

 

                         22 تشرين الأوّل 1969

الدكتور خبصا مريضٌ للغاية ، وقد عاده اليوم الدكتور إسرايل (ISRAEL) ليلاً في منزله ، كما زاره عددٌ من الإِخوة والأَخوات .

                 

                         23 تشرين الأوّل 1969

في صباح اليوم أُدخل الدكتور خبصا إلى مستشفى أوتل دييه لتفاقم حالته الصحيّة وخطورتها البالغة . وقد أُعطي نصف ليتر من الدم . وغرفته بالمستشفى رقمها 31.

 

 

                                24 تشرين الأوّل 1969

واليوم أُعطي الدكتور خبصا نصف ليتر من الدم أيضاً . وقد سلّمتُ إلى الدكتور فريد خمس مئة ليرة لبنانيّة ليدفعها كعربون لإدارة المستشفى . وقد اتَّصل بي إيليّا حجّار في الساعة 10و35 دقيقة ليلاً ، من المستشفى ، يُعلمني بأَنَّ حالة خبصا خطيرة جدّاً ومؤسفة ، وضغطه قد سقط إلى 10 ثم إلى 9. والمُناوب أَعلم إيليّا بأنَّ خطر الموت يتهدّد خبصا لمدّة ساعة ، فإمّا أن يجود بروحه أو ينجو من الموت . وقد أرسلتُ الدكتور فريد أبي سليمان فوراً إلى المستشفى .

 

                                25 تشرين الأوّل 1969

في الساعة الثامنة والنصف صباحاً أُجريَتْ عمليَّة جراحيّة للدكتور خبصا . وقد ظهر خرَّاج أُخرج منه قيح (عَمَل) ملء فنجان قهوة . وقد أُخِذَ نموذج من كبده للفحص . وبعد ثلاثة أيّام ستظهر النتيجة .

 

                                26 تشرين الأوّل 1969

كان الدكتور خبصا اليوم أفضل من يوم الأمس ، لكنّه بأسف انتكس بعد الظهر ، وارتفعت حرارته ، وكان يتألّم للغاية . وقد تكلَّم معي بعد الظهر ، فقال لي : الإِبَر أهلكَتْني ، والمَصْل بيدي ، وأنا لا أَتناول الطعام ، والنوم قد جفاني ، وأصبحتُ شبحاً . فتألّمتُ غاية الأَلم ، وحزنَتْ نفسي .

وفي مساء اليوم ضاق صدر الدكتور خبصا ، وتعسَّر نَفَسُه ، وارتفعَتْ حرارتُه .

في الساعة التاسعة ليلاً اتّصل بي فريد فرنسيس من المستشفى ، وأَعلمني بأنَّ حالة الدكتور خبصا سيّئة جدّاً ، وضغطه 6 ، ونَفَسُه يكاد لا يخرج .

وفي الساعة العاشرة إلاّ ثلثاً ليلاً اتّصل بي إيليّا حجّار تلفونيّا ، وأَعلمني بأنَّ ضغط الدكتور أصبح 4 ، وهو يُحتَضر .

 

                                 27 تشرين الأوّل 1969

اليوم سلَّم الدكتور فريد مبلغ مئتَيْ ليرة إلى تريز ابنة الدكتور خبصا ، فأصبح المبلغ 700 ليرة دُفِعَتْ لإِدارة المستشفى . وقد اتَّصل بي ، ليلاً ، الدكتور فريد ، وأَعلمني بأنَّ حالة الدكتور الصحيّة أَفضل ممَّا كانت عليه في الصباح ، واستطاع أنْ يأكل بصعوبة . وقد نام كلٌّ من الدكتور فريد ونقولا ضاهر في المستشفى بجوار الدكتور خبصا .

 

                               28 تشرين الأوّل 1969

الدكتور خبصا صحّتُه اليوم مُتَقلِّبة بين الحسنة وضدّها . وقد أَعلمني الأَخ حسن بلطجي بأنَّ حديثه يخرج من فمِه بصعوبةٍ كلّية .

وفي الساعة التاسعة ليلاً لازمته نوبةُ البرد مثلما حصل له في مطار روما ، وكعادتها معه في الأيّام السابقة ، ولكنّها اليوم أَخفّ من سابقاتها ، كما أنَّ حرارته في التاسعة ليلاً كانت 37 ونصفاً .

 

                                29 تشرين الأوّل 1969

في الساعة التاسعة إلاّ ستّ دقائق تحدَّث معي الدكتور خبصا تلفونيّاً ، وقال لي : البرديَّة أهلكَتْني إِذْ أُصبتُ بها يوم الأمس مرّتين . فقلتُ له : عافاكَ الله جلَّتْ قدرتُه . وطلبتُ منه أن يتناول شورباء اللحم . فأجابني : هم يأتونني بها من المنزل .

وصباح اليوم زار الأستاذ إدوار نون وزوجته الدكتور جورج خبصا بالمستشفى .

                              30 تشرين الأوّل 1969

صباح اليوم اتَّصلَ بي إيليّا حجّار ، وكانت الساعة السادسة والنصف ، وأَعلمني أنَّ درجة حرارة خبصا 40 ، وأنّ الأَطبّاء يجهلون أسباب مرضه . وكانت نتيجة الفحص مجهولة تماماً .

في الساعة 9 إلاّ 17 دقيقة اتَّصل بي حسن بلطجي ، وأعلمني أنّ حالة خبصا رهيبة ، وهو في غيبوبة الاحتضار .

في الساعة 9و25 دقيقة اتَّصلتُ بهادي حجّار الموجود في المستشفى فأفاد بأنَّ حرارة خبصا 40 وشحطتان ، وحالته ميؤوس منها .

واتَّصلت زينا بإدارة المستشفى ، فتحدَّث معها شخصٌ من آل أبو شبكه ، ثم تحدّثَتْ معها تريز ابنة الدكتور خبصا ، وقالت لزينا إنّ حالة والدها ميؤوس منها ، وهو تحت خطر الموت من دقيقة إلى أخرى .

في الساعة 10إلاّ 6 دقائق اتَّصل بي إيليّا حجّار ، وأعلمني أنّ الدكتور خبصا يجود بروحه .

وفي الساعة 2 وثلث اتَّصل الدكتور فريد أبو سليمان بإيليّا حجّار الموجود عند الدكتور خبصا بالمستشفى ، وسأله عن حالته . فأَفاده بأنَّها خطيرة وفظيعة للغاية .

في الساعة 6 ونصف مساءً اجتمع الأطبّاء بغرفة خبصا ليُبدوا رأيهم في مرضه الخطير .

 

                               31 تشرين الأوّل 1969

اليوم انتخبوا للدكتور خبصا دَماً من هادي حجّار . فطلبتُ منهم أَنْ يعطوه دَماً من ابن الياس خبصا . والياس هو ابن عمّ الدكتور خبصا . فأخذوا دَماً من ابن الياس وعمره 22 عاماً .

وطُلِبَ من الدكتور توفيق رزق أَنْ يذهب لفحص الدكتور خبصا ، فأجاب : إذا استطعت أَنْ أزور خبصا سأزوره ، لأنّني الآن مشغول . أُدوّن جوابه للتاريخ ليحكم إِمّا له أو ضدّه .

 

                                   أوّل تشرين الثاني 1969

اليوم نُقل الدم أيضاً للدكتور خبصا من شقيق ابن عمِّه كيوم الأَمس .

 

                                   2 تشرين الثاني 1969

في الساعة 3 وربع فجراً استيقظتُ على رنين التلفون ، فنهضتُ ، وإذا بفريد فرنسيس يُحدّثني من مستشفى أوتل دييه ، ويقول لي : إنّ الدكتور خبصا بحالة الخطر العظيم ، فحرارته 39 ونصف ، وهو بحاجة إلى دم فوراً . فهل نتَّصل بالأَخ نقولا ضاهر لنأخذ من دمه ؟ فأجبتُه : اتّصل فوراً .

وأيقظتُ الدكتور فريد أبي سليمان ، وطلبتُ منه أَنْ يتّصل بالأَخ جان شدياق ، إذ تذكّرتُ أنَّ دمه من فصيلة دم الدكتور خبصا . وطلبنا من جان أَنْ يذهب فوراً إلى المستشفى . وها هي الساعة الثالثة والنصف ، وأنا أنتظر وصول الأخ نقولا ضاهر .

في تمام الساعة 4 إلاّ ربعاً فجراً أُخِذَ دَم من الأَخ جان شدياق وأُعطي للدكتور خبصا .

في الساعة 4 فجراً طلبتُ من الأُخت زينا حدّاد أَنْ تضرع للعليّ ليُنقذ خبصا . كما اتَّصلتُ بفوته تلفونيّاً ، وطلبتُ منها أن ترفع صلاتها إلى الخالق لأجل إِنقاذه .

في الساعة 12 إلاّ 17 دقيقة قبل الظهر اتّصل بي الأخ حسن بلطجي وأعلمني بأنَّ حياة الدكتور خبصا لنْ تمكث سوى دقائق ، ثم تنطلق إلى باريها . فأجبتُه بحزنٍ بالغ : إنّها إرادة الله فبيده الموتُ والحياة .

 

                                 3 تشرين الثاني 1969

حتى هذا اليوم يكون قد مضى 12 يوماً ، منذ دخول الدكتور خبصا إلى المستشفى .

في تمام الساعة 6 إلاّ ثلثاً صباحاً ، قُرِعَ جرس التلفون ، وكان المتحدّث فريد فرنسيس من المستشفى قائلاً لي : إنّ الدكتور خبصا حرارته 39 وشحطتان ، وهو يُريد أن يُشاهد الدكتور فريد أبي سليمان . وبتمام الساعة السادسة ذهب الدكتور فريد إلى المستشفى بسيّارة نقولا ضاهر .

في التاسعة والنصف ليلاً اتَّصل بي إيليّا حجّار من مستشفى أوتل دييه ، وأعلمني بأنَّ نبضَ الدكتور جورج خبصا 48 بالدقيقة . فهالني الأمر للغاية .

 

                                4 تشرين الثاني 1969

اليوم حالة الدكتور خبصا الصحيّة أَفضل من السابق . والحمد لله .

في الساعة الرابعة و26 دقيقة بعد الظهر اتّصل بي الدكتور فريد ، وأعلمني بأنَّه وصلَ إلى المستشفى ، فوجد آندره حدّاد بغرفة الدكتور خبصا . كما أعلمني أنّ حرارة الدكتور خبصا 38 ونصف ، أي أفضل من يوم الأمس .

وفي تمام الساعة الرابعة من فجر اليوم وصلَ الدكتور فريد من المستشفى إذْ أمضى طوال هذا اليوم بجوار الدكتور جورج حتى هذه الساعة .

 

                               5 تشرين الثاني 1969

الدكتور خبصا مريض للغاية ، والحرارة ملازمة إيّاه بإستمرار ، ونفسي حزينة حتى الموت لأَجله ، ولا شيء يُبهجني إطلاقاً وأنا أراه بحالته المؤسية هذه .

 

                              6 تشرين الثاني 1969

في الساعة السادسة والربع صباحاً اتَّصل الدكتور فريد بالمستشفى ، وسألَ عن حرارة الدكتور خبصا ، فأُجيب :38 . وكانت في الساعة الثالثة 39 . أمّا ضغطه فهو 12 ونصف .

في الساعة الثالثة بعد الظهر ، كانت حرارته 38 إلاّ 3 شحطات .

في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً عاد الدكتور فريد من المستشفى حيث كان مُلازماً الدكتور خبصا ، وأَعلمني بأنَّ خبصا سيُعطى ، غداً ، دَماً سيُؤخَذ من سليم شرف الدين .

 

                              7 تشرين الثاني 1969

ظُهْرَ اليوم اتَّصل بي إيليّا حجّار , وأَعلمني بأنَّ الدكتور خبصا طلبَ كوباً من عصير البرتقال .

اليوم تقيّأ الدكتور خبصا مقدار كوبين ، وكان قيئه أخضر اللون ، وقال الطبيب إِنَّ مرارته قد فُرَطَتْ .

بعد ظهر اليوم أُعطي الدكتور خبصا دَماً أُخِذَ من سليم شرف الدين .

 

                              8 تشرين الثاني 1969

في تمام الساعة الخامسة والثُلث فجراً تُوفي الدكتور جورج خبصا بمستشفى أوتل دييه في بيروت . وقد اتَّصل بي كلٌّ من إيليّا حجّار وفريد فرنسيس تلفونيّاً ، وأَعلماني بهذا الخبر الصادع ، وقد وقعَ في نفسي وقوع الصاعقة ، فزلزلني وهدَّم أَركاني ، وعقد لساني ، واضطرب جناحي . فيا لحقارة الإِنسان ، وما أتفه حياته ، وأشدَّ آلامه الرهيبة ! وفي ذمّة الله روحك النبيلة يا أخي الحبيب الراحل من دنيانا .

فور سماع الأخت زينا بوفاة الدكتور خبصا تقيَّأتْ ، وكان حزنُها عليه بالغاً أشدَّه .

 

                              9 تشرين الثاني 1969

منذ الفجر ذهبَ الإِخوة والأَخوات إلى منزل الدكتور جورج خبصا ، بعد نقله إليه من المستشفى ، وكانوا يُحيطونه إِحاطة السِوَار للمعصم ، والحزن الشديد ظاهر على وجوههم .

في الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر اتَّصل توفيق الحقّاق ، تلفونيّاً من نيويورك ، مُسْتَعلماً عن وفاة الدكتور الحبيب . وكذلك اتَّصل ، ثانية ، في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل .

 

                                     موكب الموت

                               9 تشرين الثاني 1969

في الساعة الثانية بعد الظهر تحرَّكَ موكبُ الموت من منزل الدكتور خبصا ، إذْ خَرجَ نعشُه يرافقُه رتلٌ من السيّارات التي تُقلُّ الإِخوة والأَخوات الداهشيّين والداهشيَّات ، وكذلك رتلٌ من سيّارات الكسروانيّين (أي من كسروان) ، والجونيّين (أي من جونيه) . فرحماتُ الله على جدثك أيها الحبيب الراحل ، وفي ظلِّ القدير روحُكَ الخالدة .