info@daheshism.com
قصص الملائكة والشياطين:

 

إبليس الزنيم و الشيطان الرجيم

 

شاهدته ففتنت برجولته التامة. و قد شبهته بالأسد لجمال قوامه، و لعضلاته القوية المفتولة كأنها قوس مشدود.

وراحت تلقي شباكها الأنثوية حوله، فإذا به سجين تلك الشبكة المغرية. و كان اسمها فواتن.

وتمّ اقترانه بها. فكانت أسعد امرأة تظللها السماء و تشرق عليها ذكاء.

وكانت نتيجة زواج الحب هذا نجلاً تامّ الخلقة ما خلا عيباً واحداً فيه: إذ ولد و بمؤخرته نتوء بارز كأنه ذنب معوّج وهو مكسو بشعر كأنه الدبابيس لقسوته.

وقد أطلق أبواه عليه اسم جيتان.

 

ملامح شيطانية

 

وكتمت أمه هذا العيب عن الجميع كي لا يعيّره رفاقه إذا عرفوا علّته.

ونما الطفل فأصبح يافعاً، ثم مراهقاً فشاباً.

 وكان الناظر إليه يشعر بخوف خفيّ و رهبة مجهولة، إذ كانت تقاسيم وجهه تبدو عجيبة للمتأمل فيه.

وكان رفاقه يتحاشونه لا لسبب إلا لهذا السبب المجهول لدى الجميع.

وفي أحد الأيام اختصم مع زميل له، وعندما أمسك أحدهما الآخر لكم جيتان زميله على وجهه، فإذا به يصيح مذعوراً للألم العظيم الذي ألمّ به.

فقد احترق وجهه و كأنه شوي على جمر متقدّ.

 

ومات المراهق برعب عظيم

 

ودهش سكان المدينة لهذا الأمر العجيب الذي لا يصدق. و كانت دهشة الأطباء بالغة للغاية، إذ وجدوا بعد الفحص،أن الوجه قد احترق و كأنه أدخل بجوف الأتون المتلظي.

وقالوا إنه مرض خطير للغاية، و لا حيلة للأطباء بمعرفة أسبابه و مسبباته.

و في اليوم الثالث لهذه الإصابة المميتة، احتضر روبي المصاب بوجهه، و كان بأثناء احتضاره يهذي قائلاً:

-ها إني أرى الشيطان الزنيم/ فهو امامي. و هو يأمرني أن أصمت ولا أتفوه بأية عبارة...ولكنني سأفضح السر.

قال هذا، و فاضت روحه قبل أن يكمل حديثه العجيب الغريب.

 

طالت قامته واندلعت النيران من عينيه

 

وذهبت والدة جيتان إلى منزل المراهق الميّت، فطيّب والداه خاطرها، و قالوا لها:-نحن لا نشك بأن ما أصاب ابننا هو مرض غريب للغاية و مجهول حتى لدى أشهر النطاسيين. و نحن لا نحمل لابنك ضغينة ما، إذ صدف ساعة تماسكه مع ابننا، حلول المرض المجهول به، وهذا لا دخل لوحيدك به.

وعزتهم فواتن وعادت إلى منزلها، وفتحت الباب بالمفتاح الذي كان في محفظتها.

وفجأة جحظت عيناها إذ شاهدت ابنها وقد طالت قامته حتى أصبح رأسه يصطدم بسقف المنزل، و أصبح وجهه مخيفاً للغاية، و كانت نظراته صاعقة إذ كان شرر من النيران يندلع من عينيه.

فهالها الأمر، و انكفأت على وجهها هاربة من هذه الرؤيا المرعبة.

صاح بها جيتان:

-اماه ، ماذا دهاك؟

و أسرع إليها و أمسك بها و قد بعدت عن المنزل مسافة.

 

أتخيلات و اوهام أم حقائق هائلة؟

 

ونظرت إليه، فإذا هو كما تعهده  و ليس به طول غير اعتيادي. كما ان نظراته أيضاً كانت مثلما تعهدها فيه منذ ولادته.

فذعرت و أي ذعر، و قالت له:

-جيتان أقسم برب السماء وخالق الكواكب أنني شاهدتك قبل قليل، طويلاً، حتى ان رأسك اصطدم بسقف المنزل. وكان وجهكيثير الخوف في قلب الأبالسة الطغام.-اماه، ماذا بك؟ أتشكين مرضاً وهمياً؟ أو هل جرعت بعض الخمور القوية حتى شاهدتني على هذه الصورة الرهيبة! طمئنيني فإنني أكاد أن أضيّع رشدي!

-إبني الحبيب، لا أدري، لا أدري. أنا لم أكن نائمة قط، ولا حالمة، و لم أشرب خمراً. و لكنني أصدقك القول إنني شاهدتك مثلما ذكرت لك.

-لا بأس! لا بأس!فإنك كنت بحالة ذهول نفسيّ، واضطراب فكريّ دونما ريب، فاختلط عليك الأمر، و توهمت أنك شاهدتني على هذه الصورة المريبة.

 

عودة أباناليس

 

وعاد أباناليس والد جيتان من سفرته الطويلة، وقبّل ابنه، و ضم زوجته إلى صدره بعد غياب عام و نصف. فأعلمته بما شاهدته، فضحك حتى بدت نواجذه، و قال لها:

-إنه وهم من الأوهام أيتها العزيزة.

أما هي فكانت تقول بنفسها إن ما شاهدته أمر رهيب للغاية، و لم أكن متوهمة، فكيف حصل هذا الشيء المذهل؟

وداعب النوم عينيها، ثم أدخلها إلى عالمه السحري، فراحت تجوب فراديسه العجيبة. وعندما استيقظت دخلت إلى غرفة زوجها فلم تجده. و بحثت عنه في غرف المنزل غرفة غرفة لكنها لم تعثر له على أثر.

فقالت، ربما ذهب لأمر ما، و سيعود، فلأجهّز له طعاماً.

 

أهوال شيطانية مرعبة

 

وهبطت إلى بدرون المنزل لتحضر بعض الحبوب لتطبخها له، وإذا بها تسمع حديثاً بصوت منخفض، فدهشت للأمر، و سارت على أطراف أصابعها لناحية الأصوات الخافتة ووقفت وراء باب ترى منه و لا ترى.

وإذا بعينيها تجحظان، و تكادان تخرجان من وقبيهما.

فقد شاهدت أباناليس حبيبها الذي اقترنت به بعدما تدلهت بهواه، و هو جالس على كرسي ملتهب بالنيران دون أن تؤذيه. و قد تغيرت ملامح وجهه، فإذا هو مرعب غاية الرعب.

وقد برز من رأسه قرنان معكوفان، وكان الشعر الكثيف يكسو يديه و كأنه خروف مكسو بالصوف.

وكان يجالس مثيلاً له و هما يتهامسان و يشربان الخمور المعتقة المحفوظة بالبدرون. فتسمرت مكانها، و لم تستطع التحرك لشدة ذهولها واضطرابها لهول ما تراه.

وقالت لنفسها: هل تراني نائمة؟ وقرصت وجهها بيدها بقسوة فكادت تبدر منها صيحة ألم.

-إذاً أنا لست بنائمة، بل بكامل حواسيّ أشاهد قريني وقد انقلب إلى إبليس مرعب الوجه، مخيف النظرات، هائل الشعر. و زميله مرعب مثله.

 

مجمع الأبالسة

 

وفجأة شاهدت ابنها جيتان يظهر بغتة أمام والده و زميل والده الشيطاني الملامح.

-كيف ظهر؟ من أين دخل؟ كيف هبط إلى هذا المكان؟

وكان المفروض أن يمرّ حيث تقف إذ لا باب آخر يستطيع الدخول منه إلى البدرون.

وقالت لنفسها:

-يا إلهي، أعنّي، فإني أكاد أن تزهق روحي لشدة خوفي المبيد لما أراه أمامي من أهوال هائلة.

 

زوج إبليس ونجل شيطاني

 

وفجأة سمعت صوت قرينها-أباناليس-يقول لها:

-تعالي يا فواتن، و شاركينا الخمرة. فلماذا تتوارين وراء الباب؟و لم خوفك هذا؟

ثم سمعت صوت ابنها جيتان يقول لها وهو يضحك هستيرياً:

-هيا أسرعي إلينا. أتخافين زوجك وابنك و ضيفهما؟

فتحاملت على نفسها، و دخلت بخطى ثقيلة و الرعب الهائل جاثم عليها و كأنه جبل مشمخرّ مرتفع الذرى.

 

واختفت أبالسة الجحيم

 

وامسك كل من أباناليس وجيتان-كل منهما بيد من يديها. و قال لها الأول:

-أنا أباناليس، و هذا يعني أنني أنا إبليس الزنيم.

وقال لها جيتان:

-أما انا فاسمي جيتان وهو يعني بأنني أنا الشيطان الرجيم.

ودوّت أصوات رعدية شيطانية تصمّ الآذان. ثم اختفى كل من إبليس و الشيطان.

 

فواتن أصبحت جثة هامدة

 

وطال غياب فواتن عن جيرانها إذ كانت تزورهم كل يوم. فهرعوا إلى منزلها، و كانت أبوابه مشرعة، و بحثوا عنها في غرفه دون أن يجدوها. و كذلك لم يعثروا على قرينها أو نجلها.

فهبطوا إلى البدرون ، و إذا بهم يجدونها جثة هامدة وهي مستلقية على وجهها، وكانت رائحة جثتها النتنة تزكم الانوف!

ودهش الجميع دهشة عظمى إذ وجدوا بقرب جثتها تمثالين حجرين يمثلان-إبليس الزنيم-و-الشيطان الرجيم-

 

الولايات المتحدة الاميركية

الساعة العاشرة من ليل 8 آب 1976