info@daheshism.com
مقالات صحفية ذكرها النبي الحبيب:

 

أديبة تتكلم عن الحب

                                              بقلم سنية قرّاعة

السيدة سنية قراعة أديبة مصريّة معروفة ومؤلِّفةُ شهيرة وصلت إلى لبنان منذ أيام لقضاء مدة في المصايف اللبنانية. فلم تمنعها هذهالراحة التي توختها في هذا الجبل من متابعة الكتابة. فأرسلت إلينا أمسا لمقال التالي. قالت:

 

ألقى الصغير بنفسه على صدرأُمه...

وعلى وجهه كانت تتضارب ألوان الفرحة،

وفي عينيه كان الطهر يتألق.

واحتاط بذراعيه عنقها العاجي،

وقد ارتسمَتْ على شفتيه ابتسامةٌ كلها الأمل وكلها الحياة...

وراحت الأم تهدهدُ وحيدها في حنان

حتى حلقت فوق رأسه أطيافُ النعاس.

ومر أمامها موكبُ الذكريات، فاضطربت، وزادت ضرباتُ قلبها،

فأخذت تسكب في أذني طفلها النائم حديثها المحموم

لتنفس عن نفسها الحزينة بعض ما تُحسه...:

عندما تنمو ياولدي المحبوب، ولا تصدق الحب.

لا تصدق من يقول لك: إن الحب كلمةٌ حالمةُ تحملها عينٌ إلىعين

فيرتجفُ لها القلب وتخضع المشاعر.

لا تصدق من يقول لك:

إن الحب همسة رقيقة تنقلها الشفة إلى الشفة

في لغة غامضة تعجزُ عنها ألسنةُ البشر.

لا تصدق من يقول لك:

إن الحب ترنيمة ملائكية يرتلها قلب لقلب

وتحلق بها الروح في دنيا الخيال.

لا تصدق من يقول لك:

إن الحب ربيعُ الحياة المورق الذي تتفتح خلاله العين

على أنضر الزهور وأجمل المرئيات.

من يقول لك هذا يا ولدي فقد أراد أن يجني عليك الجناية الكبرى.

فتعالَ إلى أمك.

تعال إليَّ أيها الطفل العزيز لتسمعني وأنا أحدثك عن الحب.

الحب يا وحيدي خدعة براقة وأكذوبة تلذ لسماعها الأذن،

وتطرب لخطراتها الحواس

فتغشى العين سحابة من الضلال وتحجب عنها نور الحقائق.

الحب هو سلم الشيطان إلى قلوب العذارى.

الحب... سلعةٌ لا وجود لها...

ولكن الرجل يأخذ باسمها ما تمتلكُ المرأة.

الحب... شجرةٌ مورقة،ثمرتُها الخطيئة.

الحب... رباط يجمع بين اثنين خرجا على الشرائع،

الحب... فرارُ رجل من وجه امرأة... متى نالها.

الحب، ولدي!...

هو من جاء بي وبك إلى هنا لتحيا هذه الحياة المشردة التعسة.

الحب يا ولدي هو الذي جعل مني زوجةً بلا زوج،

وجعل منك ابنًا مجهولاً بلا أب.

... وعاد الأسى مع سيل الذكريات يغمر الأم، فبكتْ....

وأحسَّ الطفلُ الصغير حرارة الدمع فاستيقظ،

ورفع رأسه ينظر إليها وكأنه يقول لها مستفسرًا:

  • أين الحبُّ نبكيه يا أُمَّاه!

سنية قراعة

                                                                   

صوت الأحرار، 17 تموز 1947

 

 

الحبُّ أمنية المرأة

من المهد إلى اللحد

مهداة إلى الكاتبة الأديبة سنية قراعة

 

قالت جريدة الحياة:

هذه قطعة رمزية من صميم المجتمع خص (الحياة) بها الدكتور داهش، وأحب أن يهديها إلى الكاتبة المصرية الأديبة سنية قراعة التي نشرت لها (الحياة) مقالين عن الفن القصصي في غضون الأسبوعين الماضيين.

وهذه القطعة الأدبية كُتبت ردًا على ما نشرته الأديبة سنية في زميلتنا (صوت الأحرار) بتاريخ 17 تموز 1947. قال:

... وشبَّ ذلك الطفل عن الطوق واشتد ساعده،

وشاخت والدته وكلل رأسها المشيب،

فإذاه ببياضه كثلوج قمة جبل صنين.

وتعلق قلب اليافع بغادة هيفاء حسناء، فعشقها وتدلَّه بهواها،

وراحت والدته تؤنبه وتذكره بدروسها له (أن لا يصدق الحب)!

فأجابها ببساطة:

  • ولماذا صدقت أنت بهياأماه، واستسلمت لكلمته الحالمة؟

ولماذا خفق له قلبك وخضعت لسيطرته مشاعرك؟

ولماذا فتنتكك همستُه الرقيقة التي تعجز عن لغتها ألسنةُ البشر؟

ولماذا اعتقدت أنه ترنيمة ملائكية تحلق بها الروح في عوالم سعيدة؟

ولماذا صدقت أنه ربيعُ الحياة المزدهي

المتفتح على أجمل أزهار خلابة الفتنة؟

ولماذا جنيت علي فلفظتني إلى عالم الشر وموطن الفساد الدائم؟

لماذا خدعك بريقه، وفتنتكِ أكذوبته اللذيذة، وأطرابتك خيالاته الواهية؟

لماذا عميتْ بصيرتكِ عنرؤية حقيقته المستترة وراء ألفاظه المنمقة؟

وإذا كان الحب سلمًا للشيطان

ينفذ منه إلى قلوب العذارى المتلهفات،

لإكسيره الشهي...

فلماذا يا ليت شعري تندفعُ العذارى إلى ذلك السلم المحبوب بجنون؟

ولماذا يفنين ذواتهن في سبيل تسلق درجاته

باذلاتٍ لأجل الوصول إليه زهرة فضيلتهن...

وإذا كان يقين المرأة أن الفحب (سلعة) لا وجود لها حقًا,

وإذا كانت مؤمنة فعلاً

بأن الرجل يأخذ باسم الحب اعز ما تمتلكُ المرأة،

فلماذا تهبُه المرأة أنفس ما تحرص عليه؟

ولماذا تفتحُ له أبواب ذلك الكنز المرصود

كي يغترف منه ما يشاءُ له نهمُه ونهمها؟

ألات فاعلمي يا أماه

أنه سواءٌ أآمنتِ المرأةُ بالحب أم لم تؤمن به

وسواء اعتقدت أنه نعمةٌ سماوية أم آمنت بأنه نقمةٌ شيطانية،

فإنها تندفع لإشباع رغباتها بما تتوقُ إليه منذ دخولها دورالمعرفة،

فلماذا تمنعينني وتحرمينني مالا تمنعينه وتحرمينه نفسك؟

أما إذا كنت قانعةً بقولكإن الحب شجرةٌ مورقة ثمرتُها الخطيئة،

فلماذا إذًا تفيات ظلال تلك الشجرة المورقة واقتطفت من ثمراتها المميتة؟

وما دمت متأكدة أن الحب الذي يجمع بين اثنين هو خروج عن الشرائع،

فلماذا خرجت عنها ولم تأبهي بمن وضعوا تلك الشرائعالمتعارف عليها؟

وما دام الحب(فرار رجل من وجه امرأة متى نالها)،

إذًا، فلماذا تسلم تلك الإمرأة زمامها للرجل

بالرغم منمعرفتها لتلك الحقيقة السافرة؟

أليس لأنها ترغب كل الرغبة بما هي دائمة التفكير فيه والتمني لتحقيقه؟

وما دمت تعتقدين أن(الحب) هو الذي جاء بي وبك إلى هنا يا أماه،

ومجيئنا هو لنحيا حياةً مشردة تعسة...

إذًا، فلماذا أعدت الكرة ثانية، وثالثة، ورابعة، ولم تكتف بي أنا فقط؟

ولماذا لا تحجم النسوة والفتيات

عن السير في هذه الطريق المفروشة بأشواك القتاد،

وهي معروفة لديهن تمام المعرفة،

إذ يلدن أطفالهن ويعرضنهم لمشقات الحياة المريرة؟

ورغمًا عن تأكدهن من هذا المصير،

ترينهن أشد رغبةللبحث عن إلف لهن

للتنعم بحبه والاستظلال بفتوته؟

وما دمتِ تؤكدين أن (الحب) هو الذي جعل منك زوجةً بلا زوج

وجغل نتي ابنًا مجهولاً بلا أب معروف،

فأنتِ بلا شك تعترفين بقوة تأثير الحب وسيطرته، وعظمته، وجبروته.

إذًا لماذا تقفين حائلاً بيني وبين من أحببت،

وتضعين الحواجز لئلا أستطيع اقتطاف الثمرة الشهية

التي سبق لكِ واقتطفتها ثم التهمتها بشراهة؟

... وأ"رقت الأم...

وعادالأسى مع سيل الذكريات يغمرخيالها فبكت...

وشعر(الشاب) بحرارة الدمع المنسكب على يديه

فرفع رأسه ينظر إليها باستغراب، واستفسرها السبب فأجابت:

- "إنه الحل الآفل هو الذي أبكيه، لأنني أصبحتُ مسنَّة!"

                                                                     19تموز 1947