info@daheshism.com
عناصر الطبيعة وخضوعها للخالق

 

أحاديثُ جبابرة الطبيعةِ

 

قال البحرُ للريح وهو يصخبُ ويُلاطمُ بعضُه بعضًا:

  • أنا أقوى عناصر الطبيعة، وأشدُّها عسفًا وجبروتًا!

وحسبي أنَّ مملكتي تزيدُ مساحة (اليابسة الأرضية)

أضعافًا مضاعفة!

وأما سلطتي فما أخالُكِ إلا معترفةً لي

بنفوذها على القاطنين في أعماقي.

والبشرُ، البشرُ المساكين عندما يجوبون ظهري بأساطيلهم،

فخورين بقوَّتهم، مزهوّين بقدرتهم،

تَرَيْنَهُم رُكّعًا سُجَّدًا، ، بعدما أداعبهم قليلاً بإظهار غضبي

لأردعَهم عن زهوهم الباطل،

وغرورهم الزائف، وأنانيّتهم الممقوتة...

ويكونُ انتصاري عليهم شاملاً حاسمًا.

فأجابته الريحُ:

  • أيها الخِضَمُّ المغرور!

إنَّ سلطتي أوسعُ منكَ مدًى وأبعدُ غاية.

فإيغالي في مجاهلِ الأرضِ الوسيعةِ الأرجاء

معروف لدى كلِّ  إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجماد.

وإن أنتَ إلا مُقيَّدٌ ضمن حدودٍ لا تستطيع اجتيازها؛

وأنا لا قَيْدَ يمنعُني،

إذْ أذهبُ إلى أيّ مكانٍ شئتُ، جائبةً مشارقَ الأرض ومغاربَها.وبهذا أكونُ، لا شكَّ، قد تفوَّقتُ عليكَ.

                                      ***

وساعتذاك، برَزَت (الشمسُ) التي كانت تستمعُ لحديثهما،

وقالت:

  • يا لكما من مغرورين أيُّهاذان العنصران الأرضيّان!

كيف تجرُؤّان على ادعاء العظمة وسعة السلطان،

وأنتما تريانني موجودةً أَزِنُ كلَّ كلمةٍ بها تنطقان!

أيتها الريحُ الضعيفة، وأيها البحرُ العاجز!

إنَّ سلطتي أوسعُ من سلطتكما المقيدة.

نعم، الريحُ – كما قُلتِ – تجوبُ مشارقَ الأرض ومغاربَها،

ولكنْ، أعلميني، يا جوّابةَ الآفاق،

هل تستطيعين الوصولَ حيث تبغين؟

إنْ وجودُكِ إلاّ على هذه الأرض،

أمّا مكاني العظيم فأنّى لكِ الولوجُ إليه!

فأقصِرا، إذنْ، يا هذان،

واعترِفا لي بعجزكما البادي لكلِّ مَنْ له عينان!

                        ***

وعند ذاك، سُمِعَ (صوتٌ مجهول)،

وكأنه ألفُ بركانٍ قد انفجرت مجتمعة!

ولكنّه هادئ، حنونٌ ورزين، يأخذُ بمجامع القلوب؛ وقال:

  • ما لكم ولهذا المحاجَّة الكلامية؟!

هل نسيتم أنكم من صُنع يديَّ،

وأنَّ وجودكم كان لغايةٍ أريدُها لا تُدركونها،

وأنكم تنفذون الغاية التي لم تكونوا توجدون لولاها؟!

                        ***

وانقطع (الصوتُ) فجأةً، كما سُمِعَ فجأةً!

وعند ذاك، سادَ الكونَ (صمتٌ) عميقٌ مُشْبَع!

فخشعَ البحرُ،

وخفتَ صوتُ تلاطُمهِ الشديد الاصطخاب!

واستكانت الريح،

وخفَتَ الهزيمُ، وانقطعَ عن السريان!

وبُهتَت الشمسُ،

واغبرّ!َ لونُها!

ثم انقشَعَ هذا (الحدثُ) عن منظرٍ مُبهجٍ سار!،

منظر (العناصر الجبارة) الثلاثة

وقد استيقظوا، فإذا بهم متعانقون، متآخون، مُتحَدون!

                                      القدس، في 12 كانون الثاني 1935