info@daheshism.com
حوادث وأماكن تاريخية سياسية:

 

آثارُ بعلبك

 

واحدةٌ من عجائب الدنيا السبع

أصبحت رمزًا لمجد لبنان القديم،

ولغزًا من ألغاز الحضارات البائدة...

إنها هياكل مدينة الشمس.

مَنْ يقف أمام أعمدتها العملاقة تستبدُّ به الدهشة

من تلك القوة الجبَّارة التي رفعتها في تلك العصور السحيقة،

يومَ لم يكن في يد الإنسان

أساليب الرفع والنقل الجبَّارة الحديثة المُسيرة بالطاقة الذرية.

هذه الآثار العجيبة،

شواهد العصور الخالية،

هذه الهياكل والقلاع العظيمة

التي رأت الأمم تتعاقب عليها والجيوش تزدحم فيها،

تُرى مَنْ بناها وجعلها تُطاولُ السِّحاب؟

       يقول بعض المؤرخين إن الفينيقيين كانوا أول من وضع نواة هياكل بعلبك، وأجروا فيها عبادة البعل وعشتروت. ثم زاد الرومان عليها تحسينات، طابعينها بطابعهم الفني الحضاري. ثم أضاف العرب على ما شيد السابقون، صارفين للقلعة فيها بنوعٍ خاص.

       ولكن زعم المؤرخين عن أصلها العريق ما زال قيد الظن والاحتمال، ولا يُمكن الجزم بشأنه، ذلك بأن الفينيقيين والرومان لم يكونوا حائزين الوسائل المادية الكفيلة باشادة ذلك البنيان الجبَّار الذي ما يزال يُذهل علماءَ الهندسة حتى في عصرِ الذرة والصواريخ؛ فضلاً عن أن الدولة الرومانية ما كانت لتُنشئ أية مؤسَّسة أو أي بناء، خارج روما، أعظم مما تُنشئ في روما نفسها. والحقُّ يُقال إن جميع الهياكل الرومانية، سواء في روما أم خارجها تبدو كالأقزام إزاءَ آثار قلعة بعلبك الجبَّارة ذات الحجارة الخارقة بطولها وسماكتها!

       فما سرُّ تلك الأعمدة الجبَّارة المُنتصبة تتحدّى الأجيال وتهزأ بالزمان؟

أيكون وراءها أدمغة غير بشرية، وقوىً غير أرضية؟

       قد يُثير هذا التساؤل الضحك لدى بعضهم، ولكنَّ الافتراضات الأخيرة التي ذهب إليها العلماء، وعلى الأخص السوفيات منهم، تدور حول إمكان هبوط كائنات غير أرضية من بعض الكواكب المُوغلة في أوقيانوسات الفضاء – إذ هبطت هذه الكائنات الفضائية إلى كُرتنا الأرضية، وذلك منذ عصورٍ سحيقة – وإشادتهم ذلك البناء المُعجز كأثر من آثارهم على سطح كوكبنا، ثم ارتحالهم إلى موطنهم بسفنهم الفضائية. وقد تكون مركباتهم شبيهة بما يخترعه علماؤنا الفضائيون اليوم، وقد تكون متفوقة على منجزاتنا الفضائية تتفوُّق تلك الحضارات الكونية على حضارتنا الأرضية التي ما تزال في المهد.

       وإذا صح هذا التعليل – وهو ما يأخذ به بعض العلماء اليوم – فذلك يعني أن الإنسان ليس وحده في هذا الكون اللانهائي مخلوقًا عاقلاً، إنما ثمة كواكب كثيرة قد تُعدُّ بمئات الملايين تأهلها الحياة، وتعمرها الحضارات,

       ويقطن فيها كائناتٌ أعظم قدرةً، وذكاءً، وحضارةً، ومعرفةً من الإنسان.

       فهلاّ يكفُّ الإنسان عن ادعاءاته، وكبريائه، ويخضع للقوة العظمى التي أوجدته وأوجدت المجرات في رحاب الكوب اللانهائي؟

                                                              بيروت، 15 تموز 1944