info@daheshism.com
بين الشرق الغرب ذكر بلدان وعاداتها,   لبنان:

 

 أحلام هل تحققها الأيام

 

نيويورك – بلاد الدولار – فدولاب الحياة يتوقف بدون هذا السيد المطاع . فهو قلبه وعصبه وروحه .

إن هذه المدينة التي تضج بالصخب ، وتعمر بالضوضاء لا يدور محورها إلا على المادة ، والمادة فقط .

فالقيم الروحيّة لا يقام لها أي وزن في هذه المدينة الزاخرة بالملايين . إنها لا تؤمن إلاّ بالمادة . فبالمادة تحيا وبالمادة تموت .

ومن كتب له الشقاء فليذهب إلى نيويورك دون أن تكون جيوبه حافلة بالدولارات ليرى كيف يكون مصيره وبيلاً .

أربعة أعوام مكثتها في نيويورك شاهدت فيها من الحريّة الفكريّة ما أدهشني وحيرني .

فأين هذه الحرية من القيود التي ترسف بها الهند ومصر مثلاً ؟

إن أعظم عظيم يتساوى في هذه البلاد مع أحقر حقير ، فلا سائد ولا مسود في كافة أرجاء البلاد التي يرفرف عليها العلم الموشّى بالنجوم التي يسبح فوقها النسر الجبار .

أما الصحافة فإنها لا تترك كبيرة أو صغيرة إلاّ وتقتلها بحثاً وتنقيباً منتقدة أولياء الأمور عندما نجد أية هفوة تبدر من أحدهم مهما كانت تافهة .

والغريب أن الشخصيّة الرسميّة التي ينتقدها الكتّاب تصلح خطأها دون تذمّر بل هي تشكر من نبهها إلى خطأها .

فتمنيت – أنا الدينار بالأمس والخاتم الذي تلبسه الحسناء اليوم – أن يأتي اليوم الذي تستطيع فيه الهند ذات الثلاثمائة والخمسين مليوناً من الخلائق البشريّة ، والقطر المصري الذي يبلغ تعداده اليوم ثمانية عشر مليوناً ، وبقيّة الممالك والعواصم الشرقيّة التي يكبّلها الاستعمار بشبكته الفولاذيّة ويضيّق عليها سبل إبداء الحريّة الكلاميّة والقلميّة ، من التمتع بمثلها تتمتع به هذه البلاد التي أغدقت عليها السماء هذه النعمة الكبرى .

فقلت : مهما أغرمت يا أميركا في حب المادة واندفعت في خضمّها البعيد الأغوار ... فإن حبك للحريّة وعدم تكبيلك للعشب بقيود رهيبة يرسف فيها الشرق منذ حقبة طويلة من الزمن يحبّبني بك ويدعني أتمنّى أن أعيش في ربوعك حتى يمنّ الله على الشرق بمثل ما أنعم به عليك من حريّة مطلقة من القيود والحدود .